أميرة يحيى
“عندما تريد شيئاً بشدة ، يتآمر العالم بأكمله ضدك” تعتبر هذه الجملة ملخص حقيقي لمسلسل وأد أحلام الصحفيات في بلدنا هذه، تبدأ القصة برفض الأهل التام لأن تمتهن بناتهن هذه المهنة ،خاصة وأن النموذج الذي يقدمه الفن عن هذه الشريحة من المجتمع نموذج سىء جداً، يظهر عادة الصحفي أو الصحفية شخص انتهازي، سىء الخلق يتآمر كي يصل إلى غايته، او تتنازل كي تترقى في مهنتها وهكذا، ترسخت في أذهان الكثيرين من الآباء هذه الصورة عن المهنة ،وبالأخص بعد أن قيل عنها المقولة المشئومة ” الصحافة مهنة من لا مهنة له” ،على الرغم من أن هذه المقولة خاطئة جملة وتفصيلاً إلا أنها أثرت على الكثيرين، وخاصة بعد أن امتهن هذه المهنة الكثيرون من المنتفعين ومتملقي السلطة وهكذا.
عانيت شخصياً من هذه النظرة التي أدت إلى رفض والداى، العمل بها في بادئ الأمر واستمرارهما حتى الآن من التقليل منها، أعرف ان كل شريحة مهنية تحمل السىء والجيد ،ولافرق بين عمل وآخر سوى بما يقدمه للمجتمع ،لذلك تجنبت العمل في الكتابة وفضلت الترجمة حتى تكون عهدة المكتوب على الكاتب وليس عليّ.
وبعد أن قررت أن امتهن الصحافة بشكل إحترافي أكثر، واجهتني الحقيقة وصفعتني كف وراء الآخر، فالواقع ليس كما نرى سهل بسيط، واجهتني قيود الرؤساء واختلاف رؤانا ،والذي أدى بدوره لحدوث الكثير من المصادمات داخل العمل، واجهتني أزمة ازدياد المواقع والجرائد غير المعترف بها، والتي أسميها أحيانا “صحافة تحت بير السلم” والتي ترى أن الصحفي ما هو إلا أداة لنقل توجه الموقع أو الجريدة دون إبداء اعتراض وأيضا بدون أي ضمانات، فلا يوجد عقود تُبرم بين الصحفيين وهذه المواقع والجرائد ،الأمر الذي أدى لفصلي تعسفياً مثل الكثيرين من عملي وذلك لإبداء اعتراضي على أحد قرارات رئيس التحرير.
واجهت أزمة عدم الاستقرار وعدم الأمان أيضاً ، فالصحفي إذا أخذ على عاتقه نقل الحقيقة، لا حامي له إلا الله وكذلك الصحفيات الشابات، لا يوجد لديهن أي ضمانات وهناك الكثير من حالات الاعتقال للكثيرات بتهمة نقل الحقيقة فقط.
الوضع العام للصحفيات مزري للغاية، الحقوق مهدرة والأفضلية في الأغلب للصحفيين على الصحفيات إلا من رحم ربي وأكرم ، خاصة وأن الصحفي الشاب يمكنه أن يقوم بالكثير من الأعمال في وقت واحد – مراسل ومحرر وأحياناً مصور- ،وعلى الرغم من هذا يوجد القليلات يقمن بمثل هذا، ولكن يمكن أن يتعرضن للتحرش أو التعرض إليهن بأي طريقة وذلك لأننا لا يمكن أن نغفل نظرة المجتمع العنصرية للصحافيات.
من المثير للدهشة أن مهنة الصحافة يمكنها أن تؤثر على تأخر زواج ذوات أحلام العمل بالصحافة، فالكثير من الشباب لا تفضل الصحافيات ،وهناك كتاب لأسماء صلاح الدين “البعض يفضلونها حمقاء” يبين النظرة لشهرة الصحافيات بالذكاء ومتابعة والقدرة على الجدل وإثبات وجهة نظرههن، لذلك يفضل الشباب الزواج من غير الصحافيات.
وأخيراً المجتمع الذي يخشى المرأة الذكية يتآمر بالطبع ضدها ،ويعرقل مسيرتها في تحقيق أحلامها لذلك علينا جميعاً أن نتكاتف من أجل محاربة الثقافة الذكورية العفنة التي تسيطر على زمام الأمور ، فهناك الكثيرات ذوات مواهب الحقيقية في فنون الصحافة والكتابة بشكل عام ولكن دون أي جدوى أو تشجيع.
أميرة يحيى*
شاعرة وكاتبة ومترجمة ،والمقال ضمن تبادل الإعلاميات الشابات للخبرات والتحديات اللاتى تواجههن فى سبيل الاستمرار فى العمل الإعلامى