كانت الساعة لم تتخطى الواحدة بعد منتصف الليل ، عندما أنتفض قلبي على صراخ يطل علينا من الشباك الخلفي المطل على الحديقة المظلمة.. فكان القمر يغيب عن تلك الليلة الغامضة.. و لسبب أكثر غموضا ، كانت إضاءة الحديقة غابت عن المكان في هذا التوقيت.. فظهرت الأشجار الكثيفة كالأشباح.. و أوراق الزهور الملونة بالفوشيا و الأصفر نهارا ، كانت ترفرف عن بعد بخيال ثقيل في ليل غريب، و كأنه خيال مآتة يدق أجراس الخوف.. يثقل على قلوب ساكنى العمارات المطلة على اهدأ منطقة في أطراف المعادي.
فكان الصراخ يليق على تلك الليلة.. و كأن الخيال في كامل استعداده لرسم خيوط معقدة طويلة من الأحداث المرعبة ، المتشابكة بخيوط لقصص جرائم القتل و العنف و القهر..
لكن الصدمة الحقيقية و القصة الأكثر رعبا.. إنه كان مجرد صراخ إمرأة، تعلن عن خوفها من زوجها.. و إفتقادها للأمان و السلام.. فأعلنت غضبها بإستسلام. فهي كانت معروفة بهدوئها و قناعتها بحياتها الزوجية ، تعيش بسلام ، و راضية بإستسلام عن خوف من تصرفاته الطائشة ، و الثائرة عن غير قصد. فهو يتمتع بشخصية ضعيفة ، يفرض سيطرته غير المبررة على زوجته التي تركت عملها لتنشغل به و بأولادهم الثلاثة، فكانت تكتم طوال 20 عاما ً، مشاعرها الغاضبة من تجاهل قلبها ، و الاستهزاء بعقلها ، و السخرية من مظهرها. و الأكثر أهمية لقلبها ، هو عدم شعورها بالأمان في حياتها الزوجية المستقرة /الخائفة.
هي قصة قصيرة بطلها دائما ” الرجل ” ، و الذي يظهر بدوره في كل مشاهد حياة كل امرأة، مهما اختلفت الأحداث و الأدوار.
الشعور بالأمان.. الشعور غير المكتمل في قلوب نساء العالم.. و بغض النظر عن التعميم غير المنطقي ، فلكل قاعدة شواذ.. لكن في الحقيقة مهما كانت درجة الأمان ، تظل هناك درجة ناقصة.. خائفة من مواجهة نفسها.. فإن اكتمل الحب ، تخاف من عدم الشعور بالأمان من الاستقرار المادي.. و إن اكتملت المادة ، أختل الحب.. و إن اجتمع الاثنين.. تظهر خيانة الرجل لنزوة طارئة من وجهه نظره.. أو ربما من اختلال وجهه نظر زوجته.. ليختل السند و يختفى الأمان في ظروف غامضة..
و في ظل الأحداث المتكررة من طلاق ، و الانفصال المعلن أو غير المعلن.. و مع السؤال المتكرر عن سر عدم زواجي حتى الآن، تكون إجابتي الثابتة من عدم وجود ” رجل “.. و اتهامي المستمر بالغرور و إطاحتي الدائمة برزق ربنا.. رزق العريس.. رزق الرجل.. و برفض الزواج في المطلق .
لكنها الحقيقة البعيدة عن قناعات البشر..و قناعتي هي عدم وجود الأمان في الرجل.. و إنه من وجهه نظري مجرد أسطورة خيالية.. نسمع عنه في الأساطير و نعشقه في الروايات و نعيش معه في كلاسيكيات السينما.. فهو بعيد في الواقع عن الشعور بالأمان.
لكن في الوقت نفسه .. أعترف بوجود شكل الرجل الخيالي.. أتيقن وجود ” الرجل” بأسطورته و ببطولته و برجولته.. أراه عن بعد.. بتفاصيل القصة الحالمة.. بوجود الأمان في البعد ، قبل القرب.. و دفء الحضن البعيد قبل القريب.. و السند بثقة مطمئن مرتاح القلب. يحلم بقلب حر.. يتنفس حرية.. و يعشق بعفوية.. و يثور برومانسية.. و يعود بلهفة افتراضية.
و بما ان الحب رزق.. و المشاعر رزق.. و الرجال رزق.. نتعشم في رزق من رجال الأساطير.. “عشمنا عليك يارب”..
نهى محيى الدين
صحفية مصرية ..تعمل بالصحافة والتليفزيون وتستعد لإطلاق تجربتها الأولى فى عالم السيناريو *