مريم عاطف:القلم لا يزال في جيبي

 

14680777_10154564470372200_7371642463265494399_n

مريم عاطف

لا الزمان .. ولا المكان

عزيزى القارئ.. تحياتى الطيبة لك، أكتب إليك الآن وأنا متواجدة فى ساحة عملى، أجلس على مكتبى، أرتدى فستانا قصيرا لونه زهرى، وحذاء بكعب عالى، وأضع عطرا برائحة الياسمين، أمارس مهامى كصحفية، أغمس قلمى فى الحبر لأرسم على الورق كلمات هذا المقال.. أحب رائحة الحبر، وملمس الورق.. فأنا واقعة فى غرام كليهما.

عزيزى القارئ.. أعتذر، أنا أجلس الآن فى منزلى، “متربعة “الأرجل، مرتدية بيجامة غير متناسقة الألوان، جالسة على أريكة فى منتصف الصالة، وأخوتى الصغار يشاهدون في التلفزيون برنامج ساخر ثقيل الدم، يضحكون على أشياء لا تضحكنى بالمرة !

الحقيقة هى إننى لا أنتمى لهذا الزمان، ولا المكان، أشعر إننى ولدت فى الأربعينات، وجئت إلى العالم بشكل خاطئ فى منتصف الثمانينات، أو أصابنى داء النوم المتواصل وأستيقظت فجأة لأجد إننى يجب أن أعيش العقد الثالث من شبابى فى الألفية الجديدة، وأنظر حولى وأتعجب ماذا حدث للناس وللشوارع .. فين أيام زمان !

لم أعد أحب ملابسى، ولا الشوارع، ولا طريقة عملى كصحفية إلكترونية، ولا وجوه الناس التى أراها يوميا.

أتخيل دوماً إننى أعيش كصحفية فى حقبة زمنية أخرى، أذهب لعملى بأتوبيس فارغ من البشر تقريبا، أمشى فى شارع رمسيس بفستانى القصير دون قلق، أدخل مبنى الأهرام العريق، يستقبلنى موظف الأسانسير بإبتسامة مشرقة، وهو يرتدى ملابس منمقة رسمية كما كان يحكى لى أساتذتى قديما.. أذهب إلى صالة التحرير، أجلس على مكتبى، أنتظر رنة هاتف “أبو قرص” من شخص غير معلوم، قد يكون قارئ أو مسئول أو أحد رؤسائى فى العمل ! أكتب مقالى أو تحقيقى أو حتى الخبر بقلمى الحبر على ورق غامق، أرسله للمطبعة سريعا، أو قبلها أدخل لرئيسى فى مكتبه وأنا متخوفه من ردود عيناه ورأيه فيما كتبت !

أنتهى من عملى، متشوقة لحضور حفلة أم كلثوم الجديدة فى أول خميس من الشهر الجديد.. أعود إلى منزلى، لأرتدى فستانا آخر يليق بالسهرة مع من أحب، أحدثه على هاتف منزله، فهو ينتظر بجانبه فى ميعاد عودتى، نذهب سويا إلى حفل الست، ونستمتع معا بأحد مقطوعاتها.

لكن هذا لا يحدث الآن ! .. لا يرن هاتف مكتبى عادة، يرن فقط هاتفى المحمول، بإسم أو حتى صورة لشخص أحدد قبلها هل أريد الرد عليه أم لا، يقتحم يومى فى أى وقت هو يحدده، سواء أنا فى العمل أو فى نزهه قصيرة أو حتى على فراشى !

لا أقابل من أحب ولا أنتظر هاتفه ولا حتى أسمع صوته كثيراً، فنراسل بعضنا يومياً، بكلمات جافة خالية من المشاعر عبر ما يسمى “واتس آب” أو “فيس بوك” .. لا أرى عيناه ولا ملامحه عندما يتحدث معى، ولا أمسك يديه، لا أشعر بحفاوة كلماته وحرارة مشاعره، كما أتمنى، حتى عندما يقول كلام ملئ بالحب..

حاولت مراراً وتكراراً، أن نكف عن المحادثات الإلكترونية التى تسبب دائما ًسوء تفاهم وشجارات تافهة، ونستمع لأصواتنا .. ولكننى فشلت، لإنه ينتمى لهذا الزمان !

“لا أنتمى لهذه الحقبة الزمنية” هذا ما أقوله لنفسى يوميا، عندما أستيقظ على أصوات الضوضاء خارج نافذة حجرتى.. لا أعلم كيف أصابنى هذا المرض مؤخراً، فتسلل إلى قلبى وعقلى فى غفوة،  لدرجة إننى أعيش كثيرا فى الخيال، الحقيقة أشعر بقلق، هل أحتاج لعلاج نفسى حقا ؟، أم هى مجرد أعراض مؤقتة؟

ربنا يستر على عقلى !

مريم عاطف*

زميلة شبكة نساء من أجل الإعلام،صحفية في الأهرام،وكاتبة 

This entry was posted in Uncategorized, نساء, إبداع, تحديات, سيناريو, شبكة نساء من أجل الإعلام, صحفيات and tagged , , , , , , , , , , , , . Bookmark the permalink.

2 Responses to مريم عاطف:القلم لا يزال في جيبي

  1. george nabil says:

    مقال رائع لتجربة الكثير منا يعيشها ولا يستطبع التعبير عنها

    Like

Leave a comment