
منة عبيد
منة الله عبيد
منذ أيام قليلة أعددتُ حلقة تلفزيونية للقناة التي أعمل بها تحدثَت فيها خبيرة تنمية بشرية موهوبة عن طرح جديد يخص الطب العلاجي والوقائي على حدٍ سواء.. كانت الحلقة تحت عنوان “جسمك بيتكلم ..إسمعه” . والحقيقة أن الحلقة لم تكن عن الطب كآلية للعلاج من مختلف العوارض الجسدية فنحن لسنا بأطباء ومن شعاراتنا الدائمة أن ندع التخصص لأهله ؛ بل كانت بشكل أكبر تتركز في فكرة الحقيقة وراء تلك العوارض . كيف أن معظم الآلام الجسدية غير معلومة المصدر وغير المفسّرة طبياً بشكل مباشر هي بالأساس أوجاع نفسية وروحية فاضت بها ثنيات الروح وتريد أن تعلنها على نحوٍ أوضح وكأنها تصرخ بما بها بعد أن أغفلها أو تغافل عنها صاحب ذلك الجسد وتلك الروح . هل أحدثكم سراً؟ قليلا ما يساورني فضول الاكتشاف في أي موضوع يخص أي مجال في الآونة الأخيرة وأستطيع أن أذهب الى ما هو أبعد لأقول بأن “الطبول” التي دقّت دوماً “على الراس” قد أصابت روحي بوهنٍ شديد وأصابت العديد من عواطفي بالتبلد فما عدت أشعر أن الكثير مما حولي يعنيني أو يثير فضولي .. إلا أن ذلك الطرح وتلك الفكرة كانت قادرة على اذابة جليدي ودفعي للإنصات والاكتشاف .. سألتها عن أوجاع ركبتي اليمنى التي لا تفتأ أن تنتهي لتبدأ من جديد بلا مبرر طبي أو عضوي يخص نسبة الكالسيوم بجسدي مثلا أو إصابة قديمة أو أي شيء ففاجئتني أنني قد تعرضت منذ عامين ( هكذاقالت بالتحديد )إلى تجربة مُـرّة انفطر فيها قلبي واضطررت إلى استكمال مسيرتي دون أن أفصح ودون أن أعالج كسرَ فؤادي فأعلن جسدي تمرده بألام لا تنتهي حولتني من ثلاثينية مشرقة إلى عجوز تجاوزت السبعين عند صعود درجتين من السلم أو ربما حتى من دون ذلك . وعلى قدر ما صدمني ما قالت لكونه حقيقياً بل حرفيا وعلى قدر ما يبدو ظاهرياً شيء يشبه قراءة الكف أو ضرب الرمل والودع إلا أنني صدّقت في هذا الطرح وتلك النظرية وبدأت بحثي الخاص عنها فوجدت الأعاجيب وكان من ضمن ما اكتشفت أن هؤلاء الذين يعانون حتى الأمراض الكبرى التي نتخيل دوما انها نتيجة اخطاء طبية او حياتية تتعلق بالطعام والشراب وما الى ذلك مثل السرطان من الممكن أيضا أن يكون ألما نفسيا قد كتمه الجسد ووارته الروح لسنوات حتى أعلن عن نفسه في شكل ذاك الداء البغيض . وبمناسبة أجواء الأعياد واحتفالات رأس السنة والـ “ديلما” التي تتجدد كل عام في هذا الوقت عن تحريم الاحتفال بأعياد الميلاد للمسلمين وذلك البغض الذي “ينشع” من جنبات تلك الأطروحات والمنشورات عن عدم جواز التهنئة ..حتى مجرد التهنئة فما بالك بالسعادة والاحتفال .. دائما ًما شعرت أن هؤلاء يعانون ألما ما يمنعهم من الاحساس بالسعادة وأنهم بلا وعي يريدون اسقاط ذلك الألم وذلك العجز عن الفرح والاستمتاع على كل ما حولهم ويريدون الجميع أن ينخرط في تلك المأساة وأن نمتنع جميعا عن أي مظهر من مظاهر السعادة والبهجة فقط لأنهم قد قرروا لنا ذلك . أنا في الحقيقة لا أريد الدخول في اي من النقاشات العقائدية أو المهاترات الفكرية التي غالبا ما انتهت بي بخسارة الكثيرين لتوهمهم أني أنسلخ من ديني وتعاليمه وأرفض طرح ما يرونه هم مقدسا . ولكني فقط بصدد تحليل المشهد الأصغر .. التفصيلة الدقيقة .. الحيز الأقرب إلىّ .. هؤلاء المتجهمون الكارهون لأي مظاهر للفرح المحرمون لأي شيء وكل شيء هم بالأساس يفتقدون تلك المتعة ولديهم عجزا انسانيا في استقبال اي شكل للبهجة والتامل معها ولو تتبعت ما يقولون لرأيت فيهم كرها بل مقتا لكل مظهر جميل حي مبهج أو باعث على الفرح .. الموسيقى الأعياد الغناء جسد المرأة أي وكل شيء يبهج القلب ويدخل الى النفس “سرسوباً” من سعادة حتى لو كان سندوتش مربى بالقشطة ليس لدي شك أنه لو أجمع البعض على حبهم له لأصدروا فتاويهم المستحلة الهادرة بتحريمه!
منة عبيد *
صحفية و كاتبة مصرية ساخرة