
جاسمين مهنى
ربما الآن أكتب شيئًا لا أدري بدايته، ربما أريد أن أكتب فقط لأنني أشعر أن في الكتابة روحي التي افتقدها الآن بعد توقفي عن الكتابة لـ3 أشهر، فقد تركت عملي لأبدأ بشغف أكبرمن جديد، بعد أن كدت أن أفقد نفسي لأسباب جمة، ولكن كان للقدر اختيار آخر.
نعم..خشيت أن أفقد شغفي بالصحافة وحبي لكل قضية كتبت بها، ففقدت روحي وقلبي بمرض أبي وانسحابه من حياتي للأبد برحيله، وسقوط يدي التي كانت تحتضن معها الماضي والحاضر والمستقبل.
أدركت بعدها أن لا شئ يستحق الحزن والخوف حقًا؛ غير أن تفقد إنسانًا ،أن تفقد روحًا هي لك الدنيا ..دون أن تدري أن ذلك وشيك جدًا، وأن كل ما خشيته وأنت تختبئ في حضنه أينما ذهبت بعيدًا مجرد هواجس مفرطة، وأن القضية الكبري أن نحتضن من نحب طوال الوقت على قدر استطاعتنا دون كلل أو ملل، ففقدان الشخص موجع إلى أبعد الحدود عن فقدان العمل ..عن فقدان فرصة تمنيتها كثيرًا ولكن مع الوقت تستطيع أن تعيدها مرة أخرى على عكس من يرحل بلا عودة مهما حاولت لن يعود حتى لطرفة عين واحدة، حقًا لا شئ يستحق أن نكره للحظة من حولنا فالحب هو عنوان كل شئ، هو الحقيقة الوحيدة التي يجب أن يدركها الجميع، حتى أولئك الذين يتصارعون على سلطة في مكانٍ ما لو توقفوا لبرهة لأدركوا أن الموت هو الوحيد الذي يجب أن نعد له العدة، ففقدان الأصدقاء والأحباب فجأة قد يوقظنا من أوهام كثيرة كنا نعتصر فيها ولها دون أي مقابل ،غير المطاردة غير المبررة لنجاح قد وصلت له بشق الأنفس والتغلب على عادات وتقاليد لن يفهمها أو يشعر بها إلا من مر بنفس تجربتك، لن يفهم النجاح إلا من وصل له بعد تعب ومعاناة ولكن من حقًا سيفهم ذلك هل يوجد أحد؟..لم أعد أعلم ذلك جيدًا فكل المفاهيم والأحوال والقواعد الثابتة في حياتي قد زلزلت بعد أن كشف ظهري برحيل أبي، فمهما كانت المشاكل والخذلان والحزن الذي تعرضت له في حياتي لم يعد شيئًا بعد رحيل شقيقتي منذ سنوات ووالدي الآن، ولم أعد أشعر بهذا الشئ الذي يسكن وسط أضلعي ويبقيني بدقاته على قيد الحياة.
ها أنا أريد العودة من جديد ولكن لم يعد لدي الرغبة أو الشغف الكامل للعودة ومواجهة الناس فقد أصبحت أخشي كل شئ، رغم اشتياقي لمحاضراتي وندواتي التي كنت أقدمها عن فلسطين ومصر للطلاب، ونزولي لعمل تحقيق أو تقرير أو حتى كتابة خبر صغير، لم أعد أعلم ماذا أريد وما أنا عليه الآن، ولكن كل ما تعلمته خلال الفترة الماضيه أن تعمل فقط دون أن تجعل في حسبانك من يتحدث عنك ،فحتى لو كنت فاشل فهناك حقًا من يحسدك على فشلك، فالناس ترى الخارج وتهتم بتفاصيله ولا تدرك الجوهر، وستحسدك على بصيص الأمل الذي طالما قالوا لك أنك تستحقه ومن خلفك تشتعل نيران الحقد والغيرة وقد تصل إلى الاستبداد إن لم يكن هناك مبالغة مفرطة من تعبيري، فنحن حقًا نبني أحلامنا على جذور من الاستبداد والوجع نحو بعضنا البعض.
ولذا ما عدت أفهمني وما عدت أفهم عالمي، فكل ما حولي يدعو إلى الغثيان، ولكن أدرك تمامًا أنني سأحاول النهوض إن لم يكن من أجلي فمن أجل أبي الذي طالما كان يعشق نجاحي ويفتخر بي أمام عائلتي وأهل بلدتي.
نعم…سأحاول على أمل اللقاء.
جاسمين مهنى
صحفية..ومعدة تليفزيونية