فاطمة خير*

يعتقد البعض أن الحديث عن قضايا النساء وحقوقهن، هو أمر قد انتهى زمنه، ذلك أن النساء في العالم قد حصلن على كثير من الحقوق والتي كانت يوماً ما مطالب يبدو تحقيقها مستحيلاً؛ إلا أن هذا الكلام هو نفسه محض افتراء.

8 مارس هو اليوم العالمي للمرأة، والذي أقرت الأمم المتحدة تخصيصه والاحتفال به عام 1977، بعد مسيرة طويلة لنضال النساء لأجل عالم أفضل يتم فيه احترام حقوقهن الإنسانية، وهذا لم يأت من فراغ، ولم يكن يهدف لاحتفالات كرنفالية سطحية، الأمر أبعد من ذلك بكثير.
ولا يغرنكم أننا في العام 2022؛ فلا تزال النساء في هذا العالم يعانين من افتقاد أبسط الحقوق الإنسانية في بقاع متعددة من كوكب الأرض، فما بالنا أننا الآن نقف في عالم يواجه تحديات مصيرية فرضتها الصراعات الدولية، والتقلبات الاقتصادية والسياسية، وبكل تأكيد تحديات فرضها علينا الحضور الثقيل لوباء الكورونا، شئنا أم أبينا، اعترفنا أم أنكرنا، وفي الحقيقة أن كل من ينكر التأثيرات المتعددة والمتنوعة لهذا الفيروس اللعين على العالم؛ هو شخص يعاني من حالة إنكار خطيرة، فعالم ما قبل كورونا ليس هو عالم ما بعدها.
علاقة ما سبق بأوضاع النساء، أننا نعيش أياماً مهمة في عالم بصدد تغيير قواعد اللعبة/الاقتصاد فيه، ولا أتحدث هنا عن الحروب حولنا فهي ليست محل الحديث، وإنما أعني أنه في عالم تُعاد فيه الصياغات المتعلقة بعقود وشروط وظروف العمل؛ لابد لنا من وضع صالح النساء في الاعتبار، بالطبع في كل مجتمع وفقاً لأوضاعه وطبيعته وعاداته، لكن المؤكد أن المشترك فيما يخص الحقوق الأساسية لأي إنسان عامل هي غالباً واحدة في العالم كله، ويدرك كل شخص يتابع المتغيرات التي أعقبت وباء كورونا وأثرت في طبيعة العمل التي أصبحت أغلبها “عن بُعد”، أن عدد ساعات وأيام العمل، والحقوق الوظيفية، وغيرها، تخضع لإعادة التقييم وفقاً للمستجدات التي تسببت في “إعادة هيكلة” بيئات العمل، ومنها على سبيل المثال أن شركات في العالم أجمع قررت عدم العودة للعمل من خلال مقرات إدارية، وآُخرى اختارت أن يكون العمل مقسم ما بين المقرات الإدارية والمنازل أسبوعياً، أو أن يكون اللقاء أسبوعي أو شهري لعقد اجتماعات تنشط العلاقات بين أفراد فرق العمل، واتجهت إدارات التطوير وشؤون العاملين لاتخاذ إجراءات تساعد الموظفين على استعادة اللياقة النفسية والعصبية للعمل ضمن فريق على أرض الواقع وليس افتراضياً، وغيرها من التطورات التي عجلت بها أزمة الوباء، وجعلتها تفرض نفسها بعد أن كانت محض اقتراحات يُقابل أغلبها بالرفض أو الاستنكار أو السخرية، هذا بالطبع غير القرارات الشخصية التي اتخذها أفراد بعدم العودة للعمل بدوام كامل.
وفي إطار كل ذلك علينا استيعاب أننا أمام لحظة تاريخية فريدة يناقش فيها العالم ما هو الأنسب له في مناحي عدة ومنها بالطبع طبيعة علاقات العمل، ما يعني أن الفرصة متاحة للمناقشة أيضاً حول أوضاع النساء العاملات فيما يخص عدة قضايا منها بيئات العمل، والمساواة في الأجور، وأجازات الوضع، وعدم التمييز ضدهن على أساس النوع، وغيرها.
ما كانت تطالب به النساء من العمل من المنزل في حال احتاجت ظروفهن الأسرية ذلك، خاصةً وقت الحمل والرضاعة وفي سنوات الطفل الأولى، وكان يلقى السخرية والتقليل من شأنهن؛ أصبح اتجاهاً عالمياً الآن! بل أن العالم بصدد تقنينه، على العالم الاعتراف إذن بأنه قد استهان بأحوال النساء، وأن يتم احترام وجهات نظرهن وكذلك احتياجاتهن الإنسانية وقت صياغة نظم عمل جديدة، مع الوضع في الاعتبار حق النساء في ممارسة أدوراهن في الحمل والإنجاب دون التعرض لضغوط الخوف من فقدان الأمان الوظيفي أو الحق في التقدم المهني.
يوم عالمي للمرأة هو ضرورة لأنها تستحق الاحتفاء بها، ولا تزال تحتاج لإلقاء الضوء على قضاياها وحقوقها وأوضاعها، لا يزال الطريق طويلاً كي يكون العالم مكاناً آمناً وعادلاً للنساء، لكن ما تم تحقيقه حتى الآن يدعو للفخر وللتمسك بالأمل وللثقة في الغد.
*فاطمة خير
مؤسسة شبكة نساء من أجل الإعلام، كاتبة مصرية، خبيرة ومدربة إعلامية